حققوا قبل أن تصدقوا
فهمي هويدي
1/11/2010 12:00:00 PM
القاهرة - دعا الكاتب الكبير فهمي هويدي إلى ضرورة التحقيق جيدا في ملابسات حادث استشهاد الجندي المصري على حدود غزة يوم الاربعاء الماضي.
وأكد هويدي - في مقال نشر بعدد من الدوريات العربية - اهمية التروي وتحرى الأمر بمنتهى الشفافية والنزاهة وعدم الاندفاع وراء اتهامات لأي طرف تحمل في طياتها اهدافا سياسية.
وفيما يلي نص المقال:
حققوا قبل أن تصدقوا
تجاهلت وسائل الإعلام المصرية معلومات مثيرة خرجت من غزة خلال اليومين الماضيين، تتعلق بملابسات قتل مجند حرس الحدود المصرى أحمد شعبان، أثناء الاشتباك والتراشق الذى حدث عند معبر رفح يوم الأربعاء 6 يناير، قبل دخول قافلة "شريان الحياة" إلى القطاع.
تقول تلك المعلومات إن تحقيقات وزارة الداخلية فى غزة خلصت إلى أن قتل الجندى تم برصاص مصرى، نتيجة خطأ فى التصويب ارتكبه جندى آخر فى حرس الحدود كان مرابطا فى أحد الأبراج.
استندت معلومات جهة التحقيق إلى مجموعة من المعلومات والشهادات أفادت بما يلي:
- أن المتظاهرين على الجانب الفلسطينى لم يثبت أن أحدا منهم حمل سلاحا، ولكنهم كانوا قد تجمعوا عند بوابة صلاح الدين فى مهرجان خطابى صبيحة يوم الأربعاء.
وفى الدقائق العشر الأخيرة منه اندفعت مجموعة من الفتية تتراوح أعمارهم بين 10 و16 سنة نحو السور الفاصل وراحوا يرشقون الجنود المصريين بالحجارة
- فى الوقت ذاته تسلق صبى عمره 14 سنة السور واستطاع الوصول إلى أعلى برج الحراسة، وقام بتعليق علم حماس عليه.
- حين لمحه أحد الجنود المصريين المرابطين فى برج آخر فإنه أطلق نحوه عدة رصاصات، فقفز على الأرض وفر هاربا، فى حين أن اثنتين منها أصابت الجندى أحمد شعبان الذى خر صريعا.
- فى الوقت ذاته كان الفتية الفلسطينيون يرشقون الجنود المصريين، الذين ردوا عليهم بإطلاق الرصاص، الأمر الذى أدى إلى إصابة عشرة منهم، اثنان إصابتهما خطرة هما جمال السميرى "16 سنة" الذى أصيب بالشلل الرباعى لأن رصاصة اخترقت صدره واستقرت فى عموده الفقرى، وعبدالله عيسى "11 سنة" الذى أصيب فى رأسه والاثنان يرقدان فى العناية المركزة بمستشفى خان يونس، أما الباقون فقد كانت إصاباتهم أخف، لم تتجاوز الأيدى والأكتاف والأقدام.
- استند التحقيق الذى أجرى حول الحادث إلى تقرير لوكيل وزارة الصحة المساعد فى مستشفى شمال العريش "طبيب مصرى" الذى قرر أن إصابة الجندى المصرى أحمد شعبان كانت فى الظهر وليس الصدر، بمعنى أنها جاءت من خلفه وليس من المتظاهرين الذين كان يتابعهم من البرج.
هذه المعلومات إذا صحت فإنها تقلب تماما الصورة التى سارع الإعلام المصرى إلى نقلها، واستندت إليها التصريحات الرسمية التى تناثرت فى اتجاهات عدة، ودعت إلى تسليم "القناص" الفلسطينى لمحاكمته فى مصر، وأنذرت وتوعدت بالرد، حتى أكدت أنه لن يكون هناك كلام أو سلام مع حماس إلا إذا استجابت للطلبات المصرية.
لست أدعو إلى التسليم بهذه المعلومات لكنى أدعو إلى التحقيق فيها، ليس بالضرورة لإدانة هذا الطرف أو ذاك، ولكن للتصرف فى أى اتجاه استنادا إلى الحقائق وليس إلى الشائعات والانطباعات المتعجلة، أدرى أن هناك أطرافا عدة، لها مصلحة فى تبنى الرواية التى عممها الإعلام المصرى، وبنى عليها استنتاجات وصلت إلى حد التصريح بإمكانية إعلان الحرب على غزة، إلا أننى أزعم أن التصرف المسئول من جانب الدولة المصرية يقتضى بناء المواقف على أساس من المعلومات الموثقة التى تطمئن إلى صحتها، ليس فقط لأن ذلك هو الوضع الطبيعى الذى لا يحتاج إلى تزكية، ولكن أيضا لأنه لا مصلحة لمصر فى أن تبنى علاقاتها مع قطاع غزة على أساس الأكاذيب والشائعات، خصوصا أن كسب غزة - بحماس أو بغيرها - يظل جزءا من مقتضيات حماية الأمن القومى المصرى، الذى ينال منه إن يشيع العداوات والمرارات مع الجيران.
أدرى أن تغيير رواية قتل الجندى يمكن أن يقلب سيناريوهات كثيرة، ويحبط أطرافا عدة، لكنى أزعم أن ثمة مصالح عليا تتجاوز كل تلك الحسابات، تقتضى تحرى الأمر بمنتهى الشفافية والنزاهة، وذلك لن يتأتى إلا إذا عمدت مصر إلى التحقيق فيما جرى، ليكون لكل حادث حديث.
0 تعليقات
إرسال تعليق
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)